فتوى القرضاوي تثير جدلا مغربيا | ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
فجرت فتوى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي بجواز الاقتراض من البنوك التقليدية للسكن بالنسبة للمغاربة؛ نظرًا لعدم وجود مصارف شرعية بركان الإفتاء الهامد بالمغرب، ورغم أن الفتوى قديمة حيث صدرت من الشيخ قبل ثلاث سنوات تقريبًا فإنها كانت جديدة بالنسبة للمغرب والمغاربة بعد أن أعادت صحف مغربية نشرها. وصدرت انتقادات اتسمت بالحدة عن شخصيات وجهات مغربية، اعتبرت أنها صاحبة الحق في الإفتاء لأهل المغرب، وأن الفتوى مصادرة لحق العلماء المغاربة، وأنه لا يجوز قياس المغرب على البلاد غير الإسلامية ، والتي كانت موضوع الفتوى الأصيلة التي أصدرها المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، وأسس عليها فضيلة الشيخ القرضاوي فتواه . فيما رأى الدكتور أحمد الريسوني أستاذ الفقه والأصول بالجامعات المغربية أن للناس أن تتخير بين فتوى الشيخ القرضاوي، وبين الفتاوى الأخرى، فالمسألة مبناها على الخلاف الفقهي الذي يسع الجميع. كما اعتبر الدكتور عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب أن الفتوى سليمة، وهي ليست حكرا على بلد دون بلد، فهي خطاب الله للناس جميعا. أهمية الفتوى أدى ارتفاع ثمن العقار في المدن المغربية، خاصة تلك التي تعرف رواجًا اقتصاديًّا يستوعب الطاقات العاملة مثل الدار البيضاء والرباط، إلى ظهور أزمة سكنية عميقة ارتباطًا مع الهجرة القروية إليها؛ إذ يكون المهاجر إلى هذه المدن بين خيارين إما أن لديه مالاً كافيًا لشراء شقة سكنية أو البحث عن وسائل أخرى للكراء أو الشراء. فاستغلت البنوك التقليدية هذه الحاجة الملحّة للمواطن المغربي لتقدم عروضًا مغرية لامتلاك السكن؛ إذ تهيئ وكالات عقارية تنشئ تجزئات سكنية مجهزة، وتعلن عنها عبر وسائل الإعلام الوطنية وبنسب فائدة تتراوح ما بين 8 و14%، وحدها جمعيات الأعمال الاجتماعية لمؤسسة محمد السادس الخاصة بموظفي التعليم وضعت نسبة 4.5% وتقديم قروض تتراوح بين 150 و200 ألف درهم مغربي (15 و20 ألف دولار أمريكي). ولهذا لاقت فتوى الشيخ القرضاوي قبولاً عند هذه الشريحة الاجتماعية والموظف البسيط، واعتبار نسبة الفائدة القليلة مما يمكن إدخاله في خانة الخدمات الإدارية. أساس الفتوى عند الشيخ القرضاوي جاء بعد أن ذكر دواعي إصدار المجلس الأوروبي للإفتاء لفتواه التي تجيز للأقليات المسلمة في أوروبا شراء بيوت للسكن عن طريق القروض البنكية، مراعاة للظروف التي يعيشها المسلمون في تلك البلاد، وحاجتهم الماسة إلى السكن في بيت يملكونه. أشار فضيلته إلى أن المجلس أفتى بأغلبية أعضائه على الفتوى وذلك أن العلماء الراسخون قرروا: 'أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة. ولا يختلف اثنان أن السكن حاجة من الحاجات الأصلية للإنسان، كما امتن الله تعالى في كتابه بقوله {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80]. ومضى يقول : و قد ذكر الإخوة الذين يعيشون في أوروبا: مزايا كثيرة، لشراء هذه البيوت وتملكها بالإضافة إلى الحاجة إليها. كما يستأنس هنا بمذهب الحنفية الذي يجيز التعامل بالعقود الفاسدة خارج دار الإسلام، إذا كان فيها منفعة للمسلمين، وكانت برضا غير المسلمين'. ليخلص فضيلته 'أن الأساس الذي بنيت عليه الفتوى للأقليات المسلمة في أوروبا، ينطبق على الإخوة في المغرب، ما دامت الأبواب مسدودة أمامهم لامتلاك بيت بطريق غير طريق البنك التقليدي. فيجري عليهم ما يجري على إخوانهم في دار الاغتراب. ولا سيما أني سمعت أن الدولة في المغرب لا تكاد تأخذ فائدة، إلا شيئًا قليلاً، قد يعتبر نوعًا من الخدمة ونفقات الإدارة'. قراءة لقياس الشيخ القرضاوي
أولى ردود الفعل العلمية كانت من الدكتور محمد الروكي، رئيس جمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا، وأحد العلماء المشرفين على تحرير 'موسوعة القواعد الفقهية' التي يشرف عليها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث نشر فتوى بجريدة 'التجديد' المغربية يوم الخميس 21 سبتمبر 2006، فصل في عنصرين كبيرين الدلائل العلمية التي لا تجعل الفتوى تنطبق على أهل المغرب، والثاني تقديم بدائل شرعية وواقعية للإشكالية. وهما أن الشيخ بنى فتواه على قياس بلد المغرب على البلاد غير الإسلامية وهو قياس غير مسلّم لانتقاض علته من جهة ولأنه قياس مع الفارق من جهة ثانية، فالمغرب جزء من الوطن الإسلامي، وأن جواز المذهب الحنفي مبني على وجود المسلم في غير بلاد الإسلام لتعذر تطبيق الأحكام الشرعية، وهو لا ينطبق على المغرب. ورأى الدكتور الروكي أنه من المقبول لمن يعيشون في الغرب الأخذ بالرخصة، أما في المغرب، فهناك بدائل يمكن اللجوء إليها، كما أن المجلس الأوروبي للإفتاء لم يُبِح هذا باتفاق، بل هناك من اعترض، فكيف تقبل الفتوى في بلاد إسلامية؟ وإذا كانت الفتوى قد استندت لقاعدة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فإنها تفريع عن: الضرورات تبيح المحظورات، وإذا كانت الضرورة تقدر بقدرها، فإن الحاجة يجب أن تقدر بقدرها أيضًا، وما يحتاجه الناس هو السكنى وليس التملك، فيحصل بالإيجار، يضاف إلى ذلك أن هذه الفتوى تمثل وجهة نظر فقهية وهي موجهة إلى المستفتي فيها بعينه، مقدرة بحاله، فلا يجوز تعميمها فتصبح تشريعًا. البدائل الممكنة ويطرح الدكتور محمد الروكي، البدائل ومن أهمها: 1 - امتلاك المسكن عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك (الليزينك) إذا استوفى شروطه التي يتحقق بها التكييف الشرعي له. 2 - امتلاك المسكن عن طريق البيع إلى أجل، ويوجد في المغرب -على اختلاف مدنه- مقاولون مستعدون للتعامل بهذه الطريقة على الوجه الشرعي مع تسهيلات تتفاوت من بعضهم إلى بعض. 3 - امتلاك المسكن عن طريق الجمعيات التعاونية التي من حقها أن تسلك الأساليب القانونية بعيدًا عما يوقعها في التعامل الربوي. 4 - امتلاك المسكن عن طريق الاستفادة من الصناديق الاجتماعية التي توفرها مؤسسات في القطاع العام والخاص لموظفيها ربحًا لوفرة مردودهم وكثرة مجهودهم، فلا مانع من الاستفادة من هذه الصناديق على وجه الاقتراض غير الربوي إذا توفرت شروطه. ويرى الدكتور محمد الروكي بمناسبة فتح النقاش حول الفائدة الربوية أن 'يُفْتح في المغرب المسلم بنك إسلامي تحل به هذه المشكلات، وتنسد به الثغرات، ويتقوى به الاقتصاد الوطني'. إساءة للتشريع المغربي
الدكتور أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية بالرباط، استقبل فتوى الشيخ القرضاوي باستغراب، وقال لجريدة الاتحاد الاشتراكي يوم الخميس 21 سبتمبر 2006 أنه: 'كان بإمكان الشيخ القرضاوي أن يسمي فتواه 'رأيًا شخصيًّا حول القرض بالفائدة، ويبرر هذا الرأي الذي يقول به مع عرض الرأي المقابل ومبرراته كذلك؛ ليترك للمستفتي تحمل مسئوليته في الأخذ بأي من الرأيين؛ لأنه مسئول أمام الله بأن يأخذ بالحكم الذي يقتنع به وليس الاكتفاء بتلقي التحليل والتحريم'. وأنكر الدكتور أحمد الخمليشي، أن يصدر الشيخ فتوى قاطعة ومطلقة، فوصم التشريع المغربي وإن شابه بعض الأشياء التي قد تكون محل خلاف، لكنه تشريع إسلامي لا يمكن أن يقارن بالتشريع الغربي. كما أصدرت هيئة الإفتاء بالمغرب بيانًا أنكرت فيه على الشيخ القرضاوي فتواه، ورأت أنه كان من الواجب عليه أن يترك الفتوى لأهلها من فقهاء البلد، وألا يشبه المغرب بالبلاد غير الإسلامية، وأن في المغرب أعلام أولى بالفتوى في هذه المسألة منه. حجة واحتياط
الدكتور أحمد الريسوني، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة محمد الخامس بالرباط أكد من جانبه بعد الاطلاع على رأي الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع وتعقيب الدكتور محمد الروكي أكد بقول مختزل أن: 'من أخذ برأي الشيخ القرضاوي فهو على حجة عند ربه، ومن أخذ برأي الشيخ الروكي فقد احتاط لدينه'. وبتواضع العلماء في مناقشة آراء بعضهم البعض فضل عدم الخوض في الموضوع، واكتفى بالقول : 'ورأيي لا يضيف شيئًا جديدًا جوهريًّا في الموضوع، وكثرة الخلاف والنقاش لعموم الناس لا يزيدهم إلا بلبلة؛ ولذلك لم أرَ أن أزيد الطين بلة. فمن أخذ برأي الشيخ القرضاوي فهو على حجة عند ربه، ومن أخذ برأي الشيخ الروكي فقد احتاط لدينه'. الفتوى ليست حكرًا على بلد أما الدكتور عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب، فاستغرب ما أثير من ضجة حول فتوى الشيخ القرضاوي، لاستناده إلى واقع الناس الاضطراري، ويرى أن الفتوى صحيحة؛ لأنها تستند إلى قول الله عز وجل: 'وقد فصّل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه'، وعلى غرار هذه الآية تقررت في الشريعة الإسلامية القاعدة المعروفة 'الضرورات تبيح المحظورات' أي المحرمات. بل يرى أن الشرع أجاز النطق بالكفر في حالة الاضطرار، وهو أخف وطأة من تعاطي الربا. كما أنكر الشيخ الزمزمي على بيان هيئة الإفتاء أنها خرجت عن مسار مناقشة الفتوى، وجرحت الشيخ بما لا يليق من أهل العلم الذين يختلفون فيما بينهم، وكل فريق يدلي برأيه وأدلته، دون التجريح، بل الأعجب أن الهيئة لم تجب على السؤال وهو متكرر، والناس في أمس الحاجة إليه. كما أكد أحد علماء المغرب، المشهود بعلمهم في المغرب، فضل عدم ذكر اسمه نظرًا لحساسية الموضوع، 'أن الموضوع حرف عن مساره العلمي، وتدخلت فيه أيادٍ أخرى، رغم أن الحقيقة العلمية لا انتماء لها، ولا ترتبط بوطن جغرافي أو اتجاه سياسي'. وأضاف: 'باستطاعة العلماء المستقلين عن الجهات الرسمية الإدلاء بآرائهم في موضوع الاقتراض الربوي وعدم الانجرار إلى الجدال السياسي الفارغ وتحوير موضوع الفتوى، بخلاق العلماء المنضوين في الهيئات الرسمية'. طالع أيضًا: |